جامعة الصحراء
المحظرة ظاهرة تقليدية للتعليم شنقيطية صرفة أملتها الظروف و قلَّ أن وُجد لها مثيل في غيرها بكامل المواصفات والحيثيات. والمحظرة، وجمعها محاظر، ـبالظاء المشالة مأخوذة من المحضر مصدر ميمي لحضر نقيض تغيب أو من المحضر اسم مكان من حضر فالمحضر المكان الذي يحضر فيه الناس على المياه ونحوها.
فلعل من هذا المعني جاء اسم المحظرة ، لأن اللهجة الصنهاجية تبدل الضاد ظاءً فيقال في الأبيض مثلا الابيظ، والأخضر أخظر، وعظ في عض.
وكانت محاظر شنقيط صرحاً حضارياً ينشر الإسلام واللغة العربية في غرب أفريقيا، ومركزاً للإشعاع الثقافي والحياة العلمية في صحاري موريتانيا. كما استأثرت بأدوار سياسية واجتماعية هامة عبر مراحل تاريخ بلاد شنقيط، حيث كانت مركز السلطة السياسية بعد سقوط دولة المرابطين، أواخر القرن الخامس الهجري، واضطلع مشايخها بمهمة فض النزاعات بين القبائل وتنظيم حركة المقاومة ضد الاستعمار.
يؤكد الباحثون أن المحظرة حافظت على الهوية العربية والإسلامية للموريتانيين، في فترة تراجع المد الإسلامي وبداية الاستعمار، حيث دافعت بعلومها عن هوية البلاد ولغتها، وحافظت على الترابط والتجانس بين أفرادها
تتيح المناهج التعليمية للطالب في المحظرة الحرية المطلقة فيما يكتبه من الفنون ومن المتون وإن كان رأي الشيخ مقدما وفيه "البركة" ، عادة ما يبدأ الطالب بالنحو و الشعر بعد القرآن وما يلزمه معرفته عند البلوغ من فرض العين من فقه و عقيدةو غيرها من العلوم التي يتلقالها الطالب و هو في بداية مشواره الدراسي من صرف وبيان ومنطق و مبادئ الحساب ، وهي علوم على درجة عالية لأهميتها في المحظرة. وتعتمد المحظرة على كتب تعتبر مرتكز الدراسة ومصدرا أساسيا لكل فن. ويلتزم الطالب بكتاب واحد حتى يكمله؛لأنه في نظر مشايخ المحظرة يمنع قراءة أكثر من كتاب أو فن في ذات الفترة. ويكتب الطالب الدرس في اللوح، ثم يقوم بضبطه على الشيخ استعدادا لحفظه، ثم بعد ذلك يشرحه الشيخ له، على أن يقوم بعد ذلك بـ"التكرار"، والمقصود به المراجعة، وهي في نظرهم مهمة جدا، وينبغي ألا تتوقف تحت أي ظرف، ولا في أي وقت. ومن هنا شاعت كلمتهم المشهورة
"من ترك التكرار لا بد أن ينسى"
ويرى الموريتانيون أن الترتيب السالف الذكر هو الأجدى لتحصيل العلم، وأن مخالفته تمنع من حصول المطلوب
ويوزع الطلاب أحيانا إلى مجموعات باختيارهم تسمى المجموعة منها "الدولة"، تدرس كتابا من الكتب المعتمدة في المحظرة، وتقوم بالمراجعة الموحدة، ويتولى أحد الطلاب قراءة النص على الشيخ فقرة فقرة أو كلمة كلمة حسب المقتضى، ويفضل أن يكون أجود المجموعة،. ويشرح الشيخ الدرس باللهجة المتداولة وإذا اقتضى الأمر الاستنجاد بما يتطلب وسيلة توضيحية يلجأ الشيخ إلى التراب كوسيلة توضيح لقاعدة ما أو ترتيب صور ما، وربما لجأ إلى أحد الكتب المتخصصة لتوضيح مشكلة ما أو لمعرفة بعض الآراء والصور المتعلقة بها. ويتميز أبناء المحظرة بالقدرة الفائقة على الحفظ والتذكر، بسبب اعتماد الشيوخ والمدرسين على أسلوب الاستظهار، حيث لا يتخرج الطالب إلا بعد حفظ أمهات المتون المعروفة في الثقافة العربية.
وتم تكييف المحظرة لتناسب الظروف الاجتماعية والبيئية في الصحراء، وهو ما جعلها تستمر على مدى قرون. تعتمد المحاظر بشكل رئيسي على التبرعات، حيث توجه أغلب أموال الزكاة في موريتانيا للمحاظر، خاصة التي تؤوي الطلاب وتتوفر على أعداد كبيرة من المدرسين من مختلف المستويات الدراسية.